الانتصار الكبير في الزمن الصعب – 2

الانتصار الكبير في الزمن الصعب !! (2)

الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى.. أما بعد :

استكمالاً لما سبق أقول :

لقد اعتمد الغرب بقيادة أمريكا التي قدّمت نص مشروعها للشرق الأوسط في قمة الثمان الصناعية الكبرى عام 2004م على أن الشرق الأوسط يعاني من نواقص تتمثل في انعدام أو ضعف الحرية ، والمعرفة ، وتمكين النساء ، وأن ذلك يخلق الظروف التي تهدد المصالح الوطنية لكل أعضاء مجموعة الثمان الصناعية ، وأنه طالما تزايد عدد الأفراد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية في المنطقة , فإن ذلك سيساهم في زيادة التطرف والإرهاب والجريمة الدولية ، والهجرة غير المشروعة..

وهنا لا بد من التذكير بأن الغرب وغيره من أعداء الأمة دائماً ينتهزون الفرص ، ويستثمرون الأخطاء والأفعال السلبية التي تقع من بعض أبناء الأمة إما جهلاً أو تهوراً ، أو لأي سبب آخر! ، فيرسمون الخطط! ، ويصنعون الأحداث أو يوجهونها بعد حدوثها لتحقيق الرؤية التي  تسهم فيما يحقق لهم الهيمنة والسيطرة والتحكم بالملفات الدولية وفق الخطة المرسومة من قبلهم! ، وللتمثيل على ذلك أشير إلى حدثين كبيرين ، وخطأين جسيمين اتخذهما الغرب ذريعة لفرض أجندته في كل ملفات الشرق الأوسط عموماً ، وعلى العرب خصوصاً ، ذانك الحدثان هما :

غزو العراق لدولة الكويت الشقيقة عام 1411ه الموافق 1990م فقد كان حدثاً مدوياً ، وكارثة شقت صف الأمة العربية بشكل ما زالت تعاني من آثاره السياسية إلى اليوم! ، فضلاً عن الآثار الأخرى التي لا حصر لها على أغلب البلدان العربية ، وخاصة دول الخليج والعراق!.

وأما الثاني فقد كان حدثاً هزَّ العالم كله! ، وأوقع العالم العربي والإسلامي تحت ضغط لا مثيل له! ، وأخطار لا حدود لها ! ، إنه أحداث 11سبتمبر 2001م الموافق الثلاثاء 22/6/1422ه ، وهو الهجوم الذي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية وتبناه تنظيم القاعدة الإرهابي!.

إن ما أقدم عليه تنظيم القاعدة الإرهابي قد أعطى الغرب الذريعة الكاملة لفعل ما يراه رداً مناسباً على ذلك الحدث الكبير! ، وجعل العالم العربي والإسلامي تحت طائلة الاتهام بوجود المنظمات الإرهابية المتطرفة!.

فكانت أول الردود الغربية غزو أفغانستان المنهكة بالحروب منذ عدة عقود!.. ثم غزو العراق الشقيق ، وإسقاط نظامه ! ، وتمزيق وحدته الاجتماعية! وتسريح جيشه! ، وتفكيك جميع أجهزة الدولة ، ثم تسليمه لإيران الصفوية لتعبث فيه كما تشاء!!.

وبسبب هذه الأوضاع المؤسفة والمؤلمة وفي قمة الضعف العربي بدأ الغرب ينسج خيوط رؤيته للمنطقة! ، فوضع مشروعه ، وبدأ تنفيذه على أرض الواقع في عام 2011م معتمداً ما أسماه بالفوضى الخلاَّقة! ، فدعم الثورات! ، ورفع شعار الحقوق والحريات ! ، وضغط على الحكومات! وقلب لها ظهر المِجَنِّ! ، وهدد بتجميد الأرصدة! ، وفرض العقوبات الاقتصادية والعسكرية! ، ووقع العالم العربي في دوَّامة عنف لا يعلم نتائجها والآثار المترتبة عليها إلا الله!.

وكان قَدَرُ المملكة العربية السعودية أن تقود معركة التصدي لهذا المشروع الخطير!، وأن تعالج كل الاختلالات التي وقعت ، وتتصدى لكل الأخطار المحدقة بالعالم العربي والإسلامي مستعينة بالله تعالى ثم بمن بقي معها من الأشقاء رغم حالة الضعف والتشرذم العربي والإسلامي ، ورغم حالة الفوضى العارمة التي اجتاحت العالم العربي من المحيط إلى الخليج !.

فوقف الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى وقفة القائد الشهم الشجاع ، المؤمن بنصر الله وتأييده! ، والمعتز بدينه وعروبته! ، والمستشعر للأمانة والمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقه.. ورغم حالته الصحية آنذاك إلا أنه نذر نفسه لخدمة أمته! ، وحمل راية الدفاع عنها أمام أخطار محدقة! ، وأوضاع لا مجال فيها لتضييع لحظة في تردد! ، أو الاعتماد فيها على أحد سوى الله عز وجل ، ثم ما أفاء به علينا من قدرات وإمكانيات لا فضل لأحد فيها إلا لله وحده سبحانه وتعالى.

فقد اتصل الملك عبد الله رحمه الله تعالى عدة مرات بالرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما أثناء أحداث الشغب في مصر! وطالبه بأن تتوقف الولايات المتحدة عن الضغط على الرئيس المصري حسني مبارك وقتها ! ، وعن التهديد بقطع المساعدة الأمريكية لمصر! ، بل أبلغه بأن المملكة ستقوم بتعويض مصر عن تلك المساعدة ودفعها كاملة وفوراً لمصر في حال قطعها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية !.

ولما وقعت أحداث 21/ 8/ 1434ه الموافق 30 يونيو 2013م  وعمَّـت جميع المحافظات المصرية مظاهرات واعتصامات واحتجاجات عارمة وأحدق الخطر بمصر بشكل خطير للغاية! ، ووصلت الأمور إلى عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي رحمه الله تعالى..  كانت المملكة أول الداعمين لوجود سلطة قوية تسيطر على الأحداث ، وتنهي مظاهر الانفلات الأمني ، والاقتتال المجتمعي! ، وقد هددت الدول الغربية بمنع المساعدات عن مصر! ، وبفرض عقوبات عليها ! فكانت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله رحمه الله تعالى واضحة في معانيها ، صريحة في مضمونها! ، صادقة المشاعر! نابعة من قلب محب ، ونفسية أبية ! ، بل كانت بفضل الله رادعة لكل المتربصين بمصر وأمنها واستقرارها ، فقد جاء فيها :

” لقد تابعنا ببالغ الأسى ما يجري في وطننا الثاني جمهورية مصر العربية الشقيقة  من أحداث تسر كل عدو كاره لاستقرار وأمن مصر وشعبها ، وتؤلم في ذات الوقت كل محب حريص على ثبات ووحدة الصف المصري الذي يتعرض اليوم لكيد الحاقدين في محاولة فاشلة إن شاء الله لضرب وحدته واستقراره من قبل كل جاهل أو غافل أو متعمد عمَّا يحيكه الأعداء..”.

وقال رحمه لله : ” إنني أهيب برجال مصر والأمتين العربية والإسلامية الشرفاء من العلماء ، وأهل الفكر ، والوعي ، والعقل ، والقلم أن يقفوا وقفة رجل واحد ، وقلب واحد ، في وجه كل من يحاول أن يزعزع دولة لها في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية مكان الصدارة مع أشقائها من الشرفاء ، وأن لا يقفوا صامتين غير آبهين لما يحدث ، فالساكت عن الحق شيطان أخرس!.

وأضاف رحمه الله :  ليعلم العالم أجمع بأن المملكة العربية السعودية شعباً وقيادةً وقفت وتقف اليوم مع أشقائها في مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة ، وتجاه كل من يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية في عزمها وقوتها إن شاء الله ، وحقها الشرعي لردع كل عابث ، أو مضلل لبسطاء الناس من أشقائنا في مصر ، وليعلم كل من تدخل في شؤونها الداخلية بأنهم بذلك يوقدون نار الفتنة ، ويؤيدون الإرهاب الذي يَدَّعون محاربته.. آملاً منهم أن يعودوا إلى رشدهم قبل فوات الآوان ، فمصر الإسلام والعروبة والتاريخ المجيد لن يغيرها قول أو موقف هذا أو ذاك ، وأنها قادرة بحول الله وقوته على العبور إلى بر الأمان ، يومها سيدرك هؤلاء بأنهم أخطأوا يوم لا ينفع الندم ، هذا وبالله التوفيق ، وعليه توكلنا ، وإليه ننيب “.

إن هذا الموقف يجب أن يسجل للتاريخ! ، ويُحفظ في الأذهان! ، ويُروى للأجيال!.. والأحداث العظام يصنعها رجال! ، والأزمات يغير مجراها رجال!.

 ثم إنه رحمه الله تعالى وجّه صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل رحمه الله تعالى أن يحمل ملف الدفاع عن مصر في كل المحافل الدولية بكل قوة وصرامة ووضوح !.

وبالفعل كان سموه رجل المرحلة الأبرز! ، الذي ضرب به خادم الحرمين الشريفين وساوس الغرب ومخادعاته للأمة العربية! فقد استبق اجتماعاً لدول الاتحاد الأوربي التي يبلغ عددها 28 دولة في الشهر الثامن من عام 2013م بزيارة لفرنسا ، وأعلن أن الدول العربية مستعدة لتعويض المساعدات التي تهدد الدول الغربية بقطعها عن مصر ، وقال فور عودته من فرنسا :

 ” من أعلن وقف مساعدته لمصر أو يلوح بوقفها فإن الأمة العربية والإسلامية غنية بأبنائها وإمكاناتها ، ولن تتأخر عن تقديم يد العون لمصر”، في إشارة إلى تهديد الاتحاد الأوروبي بذلك.

وعبَّر رحمه الله تعالى عن : ” الأسف لشديد لأن الموقف الدولي تجاه الأحداث الجارية في مصر يتعارض مع مواقفه تجاه الأحداث في سوريا ، فأين الحرص على حقوق الانسان ؟ وحرمة دمه؟ ، والمذابح التي تجري كل يوم في سوريا التي دمرت بالكامل ، دون أن نسمع هـمسة واحدة من المجتمع الدولي الذي يتشدق بحقوق الإنسان حسب ما تقضي به مصالحه وأهواؤه “.

وحذَّر رحمه الله تعالى من أن “هذه المواقف إذا استمرت لن ننساها ولن ينساها العالم العربي والاسلامي”.

مشيراً إلى ” تبريرات واهية لا يمكن أن يقبلها عقل ، ولن نأخذ من يتجاهل هذه الحقائق وينساق وراء الدعايات والأكاذيب الواهية بأنه حسن نية أو جهالة ؛ وإنما مواقف عدائية ضد مصالح الأمتين العربية والإسلامية واستقرارهـما “.

وقال : ” لتعلم كل الدول التي تتخذ هذه المواقف السلبية تجاه مصر بأن السعير والخراب لن يقتصر على مصر وحدها ، بل سينعكس على كل من ساهم أو وقف مع ما ينالها من مشاكل واضطرابات تجري على أرضها “.

وتابع محذراً الغرب من مغبة دعم الاضطرابات والاحتجاجات الدامية! : “مصيرنا واحد وهدفنا واحد فكما تنعمون بالأمن والهدوء والاستقرار فلا تستكثرون علينا ذلك “.

وقال رحمه الله تعالى : ” المملكة قيادة وحكومة وشعباً وقفت وستقف دائماً مع مصر ، وأن الدول العربية لن ترضى مهما كان بأن يتلاعب المجتمع الدولي بمصيرها أو أن يعبث بأمنها واستقرارها “.

وأوضح رحمه الله أن زيارته لفرنسا جاءت لبحث الأوضاع الراهنة في مصر آنذاك.

وقال رحمه الله تعالى : ” أتمنى من المجتمع الدولي أن يعي مضامين رسالة خادم الحرمين الشريفين بأن المملكة جادة ولن تتهاون في مساندة الشعب المصري لتحقيق أمنه واستقراره “.

وكلمات سموه ومواقفه رحمه الله تعالى الصريحة والشجاعة فيما يخص الوضع في مصر والبحرين وسوريا في تلك الأيام وغيرها من البلدان العربية كانت ذات صدىً قوي ، وأثر بالغ!.

ولما لموقف المملكة من القوة والتأثير! فقد تراجع الغرب عن تهديداته! ، وخفَّف من ضغوطه على دولة مصر الشقيقة! ، وترافق ذلك مع دعم خليجي مادي ومعنوي قامت به المملكة ، ودولة الإمارات ، ودولة الكويت الشقيقتين .

ورغم حدوث خلاف إقليمي بين الدول العربية والإسلامية بعد أحداث 30 يونيو 2013م في مصر وما تلى ذلك من عزل الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي رحمه الله تعالى..  إلا أن الأمور سارت إلى الأفضل بفضل الله تعالى ، ثم بفضل قوة مواقف الدول الداعمة لاستقرار مصر وإنهاء حالة الفوضى والاضطراب التي اجتاحتها منذ عام 2011م.

وكان الموقف الخليجي من الإرهاب والتخريب الإيراني في دولة البحرين الشقيقة قد حسم القضية ، وقضى على أحلام أذناب إيران بتدخل قوات درع الجزيرة بتاريخ 9/4/ 1432ه الموافق 15/ 3/ 2011م التي قامت بمهمة تأمين المنشآت الاستراتيجية ، والمقار الحكومية والخدمية ، ليتفرغ الأمن البحريني لتأمين الشؤون الداخلية للبلاد!.

كما قامت دول الخليج بقيادة المملكة بصياغة المبادرة الخليجية لإنهاء احتجاجات ما سُمِّيَ ثورة الشباب في اليمن التي قامت ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح رحمه الله تعالى ، وكان مضمونها : نقل السلطة لنائب الرئيس عبد ربه منصور هادي ، ومنح الرئيس السابق ومعاونيه حصانة من الملاحقات القضائية ، وإجراء انتخابات.. وتم التوقيع على نص المبادرة الخليجية في الرياض بتاريخ 26/12/1432ه الموافق 23/11/2011م ، وتنص على أن تكون الانتخابات في 28/ 3/ 1433ه الموافق 21/ 2/ 2012م.

إنها مواقف قوية ، وجهود جبَّارة في ملفات ساخنة ، ومعارك فوضى مشتعلة في جميع الأقطار العربية! تهدد الأمة في أمنها واستقرارها ! ، وحاضرها ومستقبلها!.. فجزى الله خيراً خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ، وسمو وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل ، ورحمهما ، وتقبل منهما ، وتجاوز عنهما . اللهم آمين .

وما زال للنصر الكبير حكاية تُروى في حلقة أخرى إن شاء الله!.

الأحد 2 محرم 1444ه.

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Search this website
ترجمة - Translate