السويد.. محاكمة قاضٍ سابق تفضح دور رئيسي بإعدامات 1988

اتهامات بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية".. و"العربية.نت" تلتقي عدداً من الشهود

ضحايا المجزرة

بدأت المحكمة السويدية المختصة بالجرائم الدولية الأسبوع الثاني لمحاکمة حميد نوري، المسؤول السابق بالسجون الإيرانية في محكمة ستوكهولم عاصمة السويد، صباح الثلاثاء، لارتكابه “جرائم ضد الإنسانية” لدوره في تنفيذ الإعدامات الجماعية ضد 4 آلاف من السجناء السياسيين بسجون إيران في الثمانينات.

واتهمت المحكمة نوري الذي تم القبض عليه بموجب الولاية القضائية العالمية، بـ “جرائم الحرب” و”القتل الجماعي” و”انتهاك القانون الدولي” وفقا لنص لائحة التهم التي وجهتها كريستينا ليندهوف لارسون، المدعي العام السويدي بالمحكمة.

وبدأت المحكمة بقراءة مقتطفات من كتاب آية الله حسين علي منتظري (نائب الخميني) حول مجزرة الإعدامات في الثمانينات، والتي كتب فيها أن الزيارات توقفت في السجون، وتم قتل حوالي 3800 سجين، وأنه طلب إثر ذلك لقاء اللجنة التي نفذت الأحكام والتي عرفت بلجنة الموت بعضوية كل من الرئيس الإيراني الحالي إبراهيم رئيسي (نائب المدعي العام آنذاك)، ومرتضى اشراقي وحسين علي نيّري ومصطفى بورمحمدي.

وقالت المدعية السويدية إن تلك الإعدامات تمت وفق محاكمات سريعة وصورية وتخالف حتى القوانين الإيرانية نفسها، فضلا عن انتهاك القوانين الدولية، وقرأت رسائل من منتظري للخميني يحتج فيها على الإعدامات، ثم قرأت تصريحات لمنتظري لأعضاء لجنة الموت (رئيسي ونيري واشراقي وبورمحمدي) يقول لهم إن “هذه الإعدامات تضر بنا جميعا وبالثورة وتجعل الضحايا شهداء.. سيحكم علينا العالم كمجرمين.. سيتم تشويه هيبة الإمام (الخميني) وولاية الفقيه”.

كما اعتمدت المدعية شهادة جيفري روبنسون القاضي بمحكمة الجنايات الدولية، والذي كان عضوا بهيئة محكمة “إيران تريبونال”، وقالت إن رؤساء السجون والمدعين العامين ومساعديهم أمثال حميد نوري كانوا يتخذون كافة الإجراءات قبل وصول لجنة الموت ويراجعون ملفات السجناء ويطرحون عليهم الأسئلة ويقررون من سيمثل أمام لجنة الموت.

وذكرت أن الموجة الأولى للإعدامات بدأت من أواخر يوليو حتى منتصف أغسطس 1988، وطالت أعضاء ومناصري منظمة مجاهدي خلق بينما بدأت الموجة الثانية من الإعدامات في الفترة من 27 أغسطس حتى 4 سبتمبر 1988 ولم تقتصر على مجاهدي خلق فقط بل طالت السجناء اليساريين من مختلف المنظمات.

كتاب يوثق المجزرة
هذا وأجرت “العربية.نت” سلسلة لقاءات مع الشهود والمدعين وأسر الضحايا ضد نوري، حيث قال رضا شميراني، الذي قضى 10 سنوات في السجون وهو أحد المدَّعين في القضية، إنه وثق مجزرة إعدام السجناء السياسيين عام 1988 في كتابه “آن أرجمندها (أولئك الكرام)” في 300 صفحة والذي اعتمدته المحكمة كوثيقة.

وقال شميراني إنه في 30 يوليو 1988 اقتيد من قبل حميد نوري ليمثل أمام لجنة الموت، وشاهد أعضاءها وهم مدعي عام طهران مرتضى إشراقي، وحسين علي نيّري الحاكم الشرعي، وإبراهيم رئيسي المدعي العام بالإنابة، وأكد أن 135 سجينا كانوا معه في الزنزانة تم إعدامهم خلال الأيام الأولى فقط.

وأضاف أن أشخاصا مثل محمد مقيسه وكمان يعرف بناصريان وحميد نوري وداود لشكري كانوا ينفذون الإعدامات في حسينية سجن غوهردشت بينما كان نيري ورئيسي يجولان بين سجني ايفين بطهران وغوهردشت في كرج لإصدار أحكام الإعدام بحق أعضاء مجاهدي خلق”.

إعدام سجينات
وكشف شميراني أنه بالفترة التي أخذ فيها إلى المحكمة استطاع أن يرفع العصبة من عينيه وشاهد مجموعة من السجينات المنتميات إلى مجاهدي خلق منهن منيره رجوي شقيقة مسعود رجوي (زعيم المنظمة) التي حكم عليها بأربع سنوات سجنا لكن تم تنفيذ حكم الإعدام بها مع رفيقاتها.

وأضاف: “نفذ أيضا الإعدام بحق كل من مريم كلزاده غفوري والكثير من هذه الأخوات اللواتي لدينا قائمة بأسمائهن ونطالب العدالة السويدية بأن تحاسب مرتكبي تلك الجرائم”.

المشانق
نصرالله مرندي أحد السجناء السياسيين السابقين، وهو من المدعين الرئيسيين بالمحكمة في لقاء مع “العربية.نت” قال إنه كان معتقلا بين عامي 1980 حتى 1991 في سجون إيفين وقزل حصار وغوهردشت بتهمة الانتماء لمنظمة “مجاهدي خلق”، وشاهد مرارا كيف كان نوري يقتاد المحكومين بيده إلى المشانق”.

وأضاف: التقيت حميد نوري أول مرة عام 1986 وكان يعرف باسم حميد عباسي، وكان يقتادنا للتعذيب ولا يسمح لنا بممارسة الرياضة، وكان هو الشخص الثاني بعد ناصريان مدعي عام السجن، وقد تحدثت أمام الادعاء العام السويدي بشهادتي عنه التي هي إحدى أهم الوثائق في المحكمة”.

وقال مرندي إن “حميد نوري بصفته نائب المدعي العام وداود لشكري المسؤول الأمني للسجن كانا يقتادان السجناء إلى ممر الموت بالطابق الأول من سجن غوهردشت قبل مثولهم أمام لجنة الموت ويخدعون السجناء ويقولون إن هذه لجنة العفو “.

دور إبراهيم رئيسي
وحول دور الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، قال مرندي إنه “في اليوم من بدء الإعدامات مثلت أمامه وكان يرتدي بدلة مدنية باعتباره نائب المدعي العام ولكن كان له الدور الرئيسي في لجنة الموت المعينة من قبل الخميني في إصدار أحكام الإعدام”.

أما حسين فارسي الذي سجن لمدة 12 عاما الذي أدلى بشهادته افتراضيا من مقر منظمة مجاهدي خلق في ألبانيا هو الآخر وثق المجزرة في كتبه “آفتابكاران (زارعو الشمس)” والذي اعتمدته المحكمة أيضا وجاء فيه أن رئيسي ونيري وبورمحمدي ونيري كانوا يوقعون أحكام الإعدام بمحاكمات صورية لم تدم أكثر من دقيقتين.

وأضاف: حين وقوع المجزرة، كان حميد عباسي وهو نفسه حميد نوري الشخص الثالث بعد رئيس السجن زنجاني، ثم داوود لشكري مدعي عام السجن، وكان يقتاد السجناء إلى لجنة الموت، يقرأ أسماءهم ويوقفهم في طوابير في ممر الموت وهم معصوبو الأعين ثم بعد عرضهم على لجنة الموت يقتادهم إلى الحسينية محل تنفيذ الإعدامات”.

وتابع: “كان حميد نوري فرحا، ويهتف بأن اليوم هو عاشوراء المجاهدين، وبين من تم إعدامهم أخي حسن فارسي الذي صادق على حكم إعدامه إبراهيم رئيسي”.

وقال حسين فارسي إنه في سجن غوهردشت “شاهدت بعيني اثنين من إخواتنا ممن نقلن من سجن كرمانشاه قد تم تنفيذ الإعدام بهن، وبحسب ما سمعت كان عدد السيدات اللواتي أعدمن 19 سجينة من منظمة مجاهدي خلق”.

سجناء “اتحاد الشيوعيين”
وفي سلسلة لقاءات أجرتها “العربية.نت” مع الشهود والمدعين ضد المسؤول الإيراني من أمام محكمة ستوكهولم، قالت كل من لاله ولادن بازركان المدعيتين في المحكمة ضد حميد نوري بسبب دوره في إعدام شقيقهما بيجن بازركان، إنهما سعيدتان بأن تريا قاتل أخيهما يقتاد إلى المحكمة.

وقالت لاله التي تسكن في ستوكهولم وهي شاهدة لدى المحكمة لـ”العربية.نت” إن ” أخي كان عضوا في مجموعة يسارية ونشاطه لم يتعد سوى بيع الصحف السياسية بعد صفوفه في الجامعة، واعتقل من منزلنا في يوليو /تموز 1981 بوشاية من قبل أحد أصدقائه، فانقطعت أخباره لثلاثة أسابيع حتى أخبرونا بأنه معتقل في سجن افين، وقد حكم عليه بالسجن لعامين ونصف العام دون توجيه تهمة إلى أن تم اعتقال رفاقه بعد ذلك وصدر عليه حكم آخر بالسجن لمدة عشر سنوات”.

إعدام سجناء “اتحاد الشيوعيين”
وأكدت أنه على الرغم من أن المنظمة التي ينتمي إليها وهي “اتحاد الشيوعيين” لم تكن محظورة بل كانت تناصر الخميني منذ انتصار الثورة عام 1979 حتى 1981 لكن حكم عليه بالإعدام بسبب انتمائه في محاكمة صورية لم تستغرق سوى 5 دقائق، كما أخبرنا، وذلك دون حضور محامٍ وأعدم في أواخر يوليو 1988″.

وقالت لاله: ذهبت أمي إلى مكتب آية الله منتظري والمحاكم ومكتب رئاسة الوزراء لكنها لم تلق رداً حتى أبلغت أخيراً بإعدام ابنها ورفاقه المسجونين معه، ثم طلبوا أن يحضر أبي وأخذوا منه توقيعا تعهد بموجبه ألا يقيم مراسم عزاء”.

وأضافت: “قالوا لأبي إن جريمة ابنك هي أنه كان كافرا، وقد ذهب إلى جهنم. هكذا تعاملوا بعدائية ووحشية وها نحن نعذب بسبب عدم معرفة قبره، حيث كنا نذهب إلى مقبرة خاوران بطهران، وبعد أكثر من ثلاثين عاما لم يخبرونا أين دفنت جثته”.

مطالبة بالكشف عن المقابر
أما الأخت الأخرى لادن بازركان، التي تقطن في كاليفورنيا بالولايات المتحدة وقدمت لاستوكهلم لتدلي بشهادتها ضد حميد نوري بالمحكمة فقالت لـ”العربية.نت”: يسرني أنه بعد أكثر من 30 عاما يحاكم أحد الجزارين في هذه الجريمة ضد الإنسانية في محكمة السويد، وسنطالب بالكشف عن تفاصيل المجزرة، وأتطلع أن يحكم على نوري بالحبس مدى الحياة، وهي أقصى عقوبة ينص عليها القانون السويدي”.

وكشفت لادن أنه بعد شهر من انتشار خبر الإعدامات كتبت أسر الضحايا رسالة إلى حسن حبيبي وزير العدل حينها، وذكروا فيها أن هنالك جريمة كبيرة قد حدثت حيث إن معظم السجناء لم يكونوا محكومين بالإعدام لكنهم حكموا بذلك دون علم عوائلهم ولم تسلم حتى جثثهم وقد دفنوا بأماكن مجهولة دون أن يتركوا وصايا”.

وأضافت: “أعتقد أن هذه الرسالة من أكبر وثائق المطالبة بالعدالة في العالم، حيث سجل العوائل فيها كل الحقائق لكنهم لم يلقوا ردا من النظام بعد أكثر من 30 عاما”.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Search this website
ترجمة - Translate