المد الشيعي في امريكا اللاتينية

المد الايراني الشيعي في امريكا اللاتينية

كانت دول أمريكا اللاتينية وخاصة فنزويلا والبرازيل ترغب في إنشاء حلف سياسي دولي مع الدول العربية في محاولة لإسماع صوت الجنوب في المنتديات والمؤسسات العالمية التي تهيمن عليها دول الشمال ومن أجل عالم متعدد الأقطاب، غير أن العالم العربي إما أنه لم يستوعب المبادرة وبعدها الاستراتيجي مستقبلا أو خضعت بعض دوله الرئيسية كمصر والعربية السعودية للضغط الأمريكي لتفادي هذا التحالف، وهو الرأي الأرجح.

وأمام الانكماش العربي وجدت أمريكا اللاتينية ضالتها في إيران التي تبحث عن آفاق أوسع لنفوذها كدولة ناشئة وأصبحت من المخاطبين الجدد سياسيا واقتصاديا وأمنيا لهذه المنطقة. هذا التطور الجديد جعل الولايات المتحدة وإسرائيل تدقان ناقوس الخطر ولا تترددان في التحذير العلني مما تعتبره “الغزو الإيراني لأمريكا اللاتينية”.

وتعتبر أمريكا اللاتينية من المناطق في العالم التي شهدت وتشهد خلال العقد الحالي تغييرات هيكلية وجذرية، فبعد انتشار الديمقراطية وبمستويات مختلفة في كل دول المنطقة (باستثناء كوبا)، بدأت تبحث لنفسها عن موقع في الخريطة السياسية العالمية مراهنة على التعاون جنوب-جنوب ونسج علاقات قوية مع دول أخرى قوية مثل روسيا والهند والصين، وهو ما جعل أحد مفكري اليمين اللاتيني مويسيس نعيم يعلق على ذلك “الصداقات الجديدة لأمريكا اللاتينية” في إشارة إلى خطورة هذه الصداقات.

والبرازيل التي تتصاعد أسهمها في الخريطة السياسية العالمية منذ وصول لولا دا سيلفا إلى الحكم بادرت بعقد القمة بين أمريكا اللاتينية – والعالم العربي التي احتضنتها العاصمة برازيليا يومي 10 و11 مايو 2005 وجرى خلالها الاتفاق على عقد القمة كل سنتين، وكان العالم العربي هو المكلف باحتضان القمة الثانية، لكن القمة لم تعقد حتى الآن. وفي أعقاب التماطل التي تبديه بعض الدول العربية في عقد القمة وعدم تحمسها للدفع العربي التي احتضنتها العاصمة برازيليا يومي 10 و11 مايو 2005 وجرى خلالها الاتفاق على عقد القمة كل سنتين، وكان العالم العربي هو المكلف باحتضان القمة الثانية، لكن القمة لم تعقد حتى الآن. وفي أعقاب التماطل التي تبديه بعض الدول العربية في عقد القمة وعدم تحمسها للدفع بالتعاون الثنائي بين الطرفين وتهميش الجامعة العربية للعلاقات مع أمريكا اللاتينية، وأمام “الفتور العربي المتعمد” اعتبرت بعض دول أمريكا اللاتينية أن العالم العربي غير مؤهل في الظروف الحالية لكي يتحول إلى قطب سياسي فاعل في الخريطة السياسية طالما لا يمتلك استقلالية قراره السياسي، وكان الرهان على الدول الإسلامية الكبرى مثل ماليزيا وإيران كما ستراهن مستقبلا على تركيا.

وأدركت إيران خيبة أمل أمريكا اللاتينية في العالم العربي، فقدمت نفسها كبديل خاصة وأنها تمتلك الكثير من المؤهلات وتشترك مع أمريكا اللاتينية في الرؤية الإستراتيجية للمستقبل المتجلية في عالم متعدد الأقطاب وحضور متميز لدول الجنوب في الخريطة جيوسياسية العالمية وسياسة مناهضة للولايات المتحدة و إن إيران تَعتبر نفسها دولةً عظمى عالمية ناشئة وذات مصالح تتعدى الشرق الأوسط.

وفي الوقت الذي مازالت فيه العلاقات بين العالم العربي وأمريكا اللاتينية لا تتعدى التبادل التجاري الكلاسيكي وفي مستويات دنيا، تكون إيران قد أقدمت على خطوات استراتيجية مذهلة، نذكر منها التنسيق بين إيران وفنزويلا في مجال النفط ضمن أوبك، حيث يكون هذا التنسيق في مواجهة بعض الدول العربية مثل السعودية التي ترضخ لطلبات واشنطن بالرفع من الإنتاج والتخفيض من الأسعار.

التنسيق (العسكري) بين إيران وعدد من الدول ومن ضمنها بوليفيا وفنزويلا والإكوادور، وزير الدفاع الأكوادوري خافيير بونسي زار طهران في منتصف كانون الاول/ديسمبر الماضي وأعلن نية بلاده شراء أسلحة إيرانية الصنع لتجهيز الجيش الاكوادوري، وقال أن “واشنطن تسلح كولومبيا التي لدينا معها نزاعات ونحن سنراهن على السلاح الإيراني وليس فقط الأسواق الكلاسيكية مثل الألمانية والفرنسية”. وتساعد إيران بوليفيا وفنزويلا ونيكاراغوا في إعادة بناء جيوشها، والتنسيق الاقتصادي بالتعاون في عدد من المجالات الاجتماعية والاقتصادية وأبرزها الاتفاقية التي منحت طهران بموجبها بوليفيا قرضا قيمته مليار ومائة مليون دولار لتطوير القطاع الزراعي والصناعات الخفيفة والمناجم، واتفاقية مماثلة مع الإكوادور بقيمة 200 مليون دولار. ووقعت إيران أكثر من 300 اتفاقية مع دول المنطقة في ظرف سنوات قليلة تشمل جميع المجالات، وهو رقم يتجاوز جميع الاتفاقيات التي وقعتها الدول العربية مع أمريكا الجنوبية خلال العشر سنوات الأخيرة، بل أن التبادل التجاري بين إيران ودول المنطقة كان ضعيفا سنة 2005 وانتقل إلى مليارات الدولارت في نهاية 2008، وهو رقم مهول للغاية. كما قام الرئيس الايراني أحمدي نجاد بأكبر عدد من الزيارات إلى أمريكا الجنوبية خلال الثلاث سنوات الأخيرة، في حين أن المسؤول العربي الوحيد الذي زار المنطقة خلال السنوات الأخيرة هو ملك المغرب محمد السادس وامير قطر.

إيـران تُرسّـخ وجـودهـا السـياسي والاقتـصادي في أمريكا اللاتينية، التي تُشكل “الساحة الخلفية” للولايات المتحدة الأميركية، وتستغله للقيام بحملات تشيّع وتصدير الثورة الإسلامية، ما يشكل تحدياً للولايات المتحدة الأميركية. وبالمقابل، تقيم إيران بنى تحتية استخباراتية وإرهابية وإجرامية بواسطة حزب الله وتعززها. إن هذه البنى التحتية قد يتم استغلالها أيضاً لتنفيذ الاجندات الايرانية وعقد صفقات مع الولابات المتحدة على حساب الدول العربية وخصوصا دول الخليج, وذلك لتخفيف الضغط الامريكي والدولي على ايران في حال اعتدت ابران او تدخلت فب الشؤون الداخلية لتلك الدول واثارت اضطرابات كما حصل في اليمن منذ انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيساً لإيران في شهراغسطس 2005 يُلاحَظ تحسن ملحوظعلى علاقات ايران مع عدد من دول أمريكا اللاتينية، وفي مقدمتها فنزويلا وبوليفيا. إن القاسم المشترك للعلاقات الآخذة بالتوثق والتوطد هو الأيديولوجية والسياسة المناوئة لأمريكا والرغبة في طرح بديل ثوري جدير ومستحقّ للاستعمار الأميركي.

تستغل إيران هذه العلاقات لتوسيع وطأة قدمها في أمريكا اللاتينية (بما في ذلك بواسطة حزب الله) وترسيخ وجودها ونفوذها السياسي والاقتصادي والديني والاستخباراتي- الإرهابي في المنطقة.

إن “المحرك” الذي رسخ النفوذ الإيراني في أمريكا اللاتينية الرئيس الفنزويلي السابق ، هوغو تشافيز الذي كان يقود سياسة مناوئة ومتحدية لأمريكا. وسبق أن التقى تشافيز لمرات عدّة في طهران وكاراكاس مع محمود أحمدي نجاد وفي الواقع فتح أمام الإيرانيين النافذة إلى الفنزويلا ولاحقا أمام بوليفيا والنيكاراغوا والإكوادور. إن زعماء أمريكا اللاتينية الذين كانوا حتى انتخاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد شبه غير معروفين في طهران، قد تحولوا خلال السنوات القليلة الماضية إلى وجوه معروفة فيها وعلاقاتهم مع إيران تتواجد في مرحلة من التوسع والتعزيز.ترويج الإسلام الشيعي بصيغته الإيرانية- الخمينية وسط الجاليات غير الإسلامية التي تقطن في دول أمريكا اللاتينية وبالمقابل، ترويج أفكار الثورة الإسلامية الإيرانية والنفوذ السياسي الإيراني وسط الجاليات الإسلامية عامةً والشيعية اللبنانية خاصةً (كجزء من عمليات مماثلة تقوم بها إيران في مختلف أنحاء العالم). بما يُشابه أنماط العمل التي تعتمدها في الشرق الأوسط هكذا أيضاً تستخدم إيران في أمريكا اللاتينية سلاح الإرهاب والتآمر السياسي بغيةَ المضي قدماً في تحقيق مجمل أهدافها، كما هو الوضع في الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى في أنحاء العالم، فإن الذراع الإيرانية المنفّذة التي تُمارس هذه النشاطات هي الحرس الثوري الإيراني. إن هذه الذراع تُساعد حزب الله الذي سبق نشاطه ووجوده لما هو عليه في عهد محمود أحمدي نجاد وتستعين به في إقامة البنى الإرهابية. إن حزب الله يقوم بتدبير الأموال اللازمة لتمويل نشاطاته في لبنان ولصيانة الشبكات الإرهابية وإقامة العلاقات المتواصلة مع المنظمات الإجرامية العاملة في مختلف أنحاء أمريكا الجنوبية مثل تلك العاملة في منطقة المثلث الحدودي البرازيل- الأرجنتين- البراغواي وفي جزيرة مارغيتا في الفنزويلا ووسط كارتيلات المخدرات في كولومبيا والمكسيك. يقطن في أنحاء أمريكا اللاتينية حوالي 10ملايين من المسلمين غالبيتهم من السنة وأقليه من الشيعة اللبنانيين والعراقيين ، وكذلك جالية يعود أصلها إلى الهند وإندونيسيا والباكستان الجاليتين تتمتعان بمكانة اجتماعية واقتصادية عالية نسبياً واستيعابهما ثم تأقلمهما السريعان في الدول المختلفة يُشكلان عنصراً هاماً في طابع الجالية الإسلامية والتعامل معها.

إن التجمعات السكانية الإسلامية وخاصةً الشيعية منها التي يعود أصلها إلى لبنان تُشكل مرتعاً خصباً ً بالنسبة لإيران وحزب الله من حيث الإمكانيات القائمة للعثور على أشخاص من شأنهم المساهمة في تطوير أهداف إيران الثورية وإقامة بنى تحتية إرهابية في الدول المختلفة.

تُديرإيران نشاطات وفعاليات اجتماعية وثقافية ودينيةتهدف إلى ترويج الإسلام الشيعي الراديكالي الذي يستمد أسسه من فكرة ولاية الفقيه وسط جماهير وأنواع مختلفة من السكان في كافة أرجاء القارة. إن عملية الأسلمة الشيعية يتم تنفيذها أيضاً على أيدي منظمة أهل البيت (جمعية مرتبط بترويج التشيّع في العالم) والمراكز الشيعية الأخرى التي تعمل في أمريكا اللاتينية إحدى الأمثلة لمجموعة عرقية كانت قد تأثرت من الدعاية الإيرانية وحزب الله هي مجموعة أبناء الوايو (Wayuu). إنها قبيلة من الهنود الحمر تقطن في المناطق المتواجدة في شمال كولومبيا وشمال- غرب الفنزويلا على شواطئ البحر الكاريبي. تُدير إيران ومنظمة حزب الله خلال السنوات القليلة الماضية وسط قبيلة الوايو نشاطات حثيثة تُشجّع اعتناق (التشيّع) بواسطة رجال الدين الشيعة الذين يضعون في رؤوس أبناء القبيلة الافكار. وعلى خلفية ذلك يقف الفقر المضني السائد وسط ابناء تلك المناطق واستمالتهم بالمساعدة المادية وتواطيء حكومة تشافيز خصوصا انه من الكثير من ابناء امريكا الاتينية ممن يعتبرون المسيحية والاستعمار وجهان لعملة واحدة وان تلك المنطقه التي على حدود مع كولمبيا تعتبر معسكر تدريب للمجموعات الارهابية التابعة لحزب الله التنظيم الدولي. من أجل تطوير وتحقيق أهدافها في مجال تصدير الثورة والدعوة إلى اعتناق الإسلام الشيعي الإيراني تعمل إيران على بثّ الرسائل الإسلامية إلى أمريكا الجنوبية بواسطة البثّ الإذاعي من الراديو بالتعاون مع النيكاراغوا وبوليفيا. واجتمع رئيس هيئة الإذاعة الإيرانية، عزة الله زرغمي في يناير2007 في النيكاراغوا مع رئيسها، دانييل أورتيغا، وتباحث معه في توسيع التعاون في مجال البثّ الاذاعي والانشطة الاعلامي وقال أورتيغا إنه سيسرّه بثّ برامج إذاعية إيرانية …

إن زرغمي الذي قام ذلك الحين بزيارة إلى الفنزويلا ودول أخرى في أمريكا الجنوبية قال إنه سوف يُمكن في الآونة القريبة مشاهدة أفلام وبرامج تلفزيونية إيرانيةفي كوبا والفنزويلا والنيكاراغوا، وإن هيئة الإذاعة الإيرانية (IRIB) سوف تبثّ لعدّة ساعات في اللغة الإسبانية على قناتها التلفزيونية المتعددة اللغات “ساحار Sahar. وأضاف زرغمي “هيئة الإذاعة الإيرانية تعرض نفسها لخدمة كافة الأمم الثورية في مختلف أنحاء العالم مؤكداً أعلى ن إيران على استعداد لتُشاطر مع أصدقائها تجربتها المتراكمة في المجالين التقني والفني.

يُوجد في أمريكا اللاتينية مواقع ومفكرات ومدونات على شبكة الإنترنت باللغة الاسبانية تدعم الصلة مع إيران وحزب الله اللبناني وتتعاطف معهما على الاقل على الصعيد الأيديولوجي. ومن عادة هذه استعمال الرموز والملصقات والمصطلحات التي تتميز بها الدعاية التي تُديرها إيران ومنظمة حزب الله اللبناني والتي تتضمن الرسائل المناوئة لإسرائيل والغرب.

إن إيران تقوم بتفعيل موقع نشيط جداً adlroom.com على شبكة الإنترنت الذي يهتم بحركات التحرير المختلفة في مختلف أنحاء العالم . ويُكرّس هذا الموقع قسطاً وافياً للحركات في الدول الثورية في أمريكا الجنوبية, ويُمكن من خلال الموقع قراءة خطابات لفيدل كاسترو وهوغو تشافيز والأخبار التي تأتي من فنزويلا وكوبا وبوليفيا, بالإضافة إلى ذلك يخدم الموقع الدعاية الإيرانية ويحتوي على رابط يُوجّه إلى موقع حزب الله على شبكة الإنترنت. بهذا الشكل تَربط إيران في نَفَس واحد بين مختلف الثوريين من أمريكا الجنوبية والثورة الإسلامية الإيرانية والمنظمات الإرهابية في الشرق الأوسط والى يومنا هذا وبعد انتخاب روحاني زاد النشاط الايراني في امريكا اللاتينية ووصل الى كندا والى جامايكا وبعض الدول في أمريكا الشمالية في ضل عجز تام للدول العربية وخاصة الدول الكبيرة مثل جمهورية مصر والمملكة العربية و دول الخليج.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Search this website
ترجمة - Translate