الانتصار الكبير في الزمن الصعب 14 – عوامل النصر العربي

الانتصار الكبير في الزمن الصعب 14 – عوامل النصر العربي

العامل السابع : بروز الموقف الخليجي كقوة مؤثرة في وقف تداعي الأحداث وتوجيه بوصلتها ، والعمل بشكل جماعي لتصحيح الأوضاع وإعادتها إلى المسار الطبيعي .

رغم أن دول الخليج اسْتُهدِفَتْ بشكل كبير في مخطط الفوضى الخلاّقة! ؛ إلا أنها كانت القوة الأبرز في مواجهة تداعيات الأحداث ، فقد تمكنت من القضاء على المخطط التخريبي في دولة البحرين الشقيقة بما قطع دابر الفتنة التي قامت على أساس طائفي بغيض تغذيه الأحقاد الرافضية المتعصبة.

كما عالجت دول الخليج مشكلة اليمن وفق أطر قانونية ، واستحقاقات مرحلية ؛ لولا أن المخطط التخريبي في اليمن وجد له دعماً خارجياً قوياً مستغلاً الخلافات التي سادت بين مكونات الشعب اليمني ، وسوء الظن بين القيادات اليمنية ، وتغيّر الولاءات والتحالفات بين الأحزاب والقوى السياسية المختلفة بناءً على مصالح شخصية! ، وحسابات وقتية ضيّقة لم تراعي المصالح الكبرى لليمن! ، ولم تستطع أن تدرك خطورة الأحداث وآثارها المستقبلية لا سيَّما التغلغل الرافضي المدعوم ماديًّا وعسكرياًّ.

وبالتزامن مع تصدي دول الخليج للأخطار التي واجهت الدول العربية ، استطاعت أن تحافظ على اللحمة الوطنية في بلدانها ، فبقيت العلاقة بين الحكّام وشعوبها علاقة السمع والطاعة والولاء ، ولم يشذ عن هذه القاعدة المتينة في دول الخليج سوى بعض الفئات الخارجة عن النظام والقانون في دولة البحرين الشقيقة بسبب التدخل الفارسي الذي أثار الفتنة الطائفية ، وحرَّك العملاء وخلايا الرافضة المتطرفة التي سبق زرعها في المجتمع البحريني! ، وهي تدين بالولاء والسمع والطاعة المطلقة لملالي إيران في قم وطهران! ، وتؤمن بنهج الخميني الثوري التخريبي المستهدف لكل المجتمعات العربية! .

ورغم أن الثورات التي قامت في البلدان العربية كانت فتنة اختلفت فيها الرؤى والتصورات ؛ إلا أن دول الخليج بقيت هي أكثر البلدان العربية أمناً واستقراراً ، وإن حصل بينها خلاف في وجهات النظر من الأحداث الحاصلة من حيث الدوافع والأهداف ، ومن حيث توقع النتائج والآثار المترتبة عليها.

العامل الثامن: تجاوز الخلاف الخليجي ، وبناء روح المودة الأخوية ، إيماناً بوحدة الهدف والمصير المشترك.

 لقد تفجَّرَ خلاف خليجي في وقت عصيب وحساس ، وتصاعدت آثاره! ، وتزايدت مخاطره! ، وفرح به الأعداء والمغرضون كثيراً ، واتخذت منه وسائل الإعلام مادة دسمة للإثارة والنقاش والتحليل!..  ورغم أن الخلاف استمر لمدة زادت على ثلاث سنوات في الفترة من 5 يونيو 2017م  إلى 4 يناير 2021م  إلا أن ذلك الخلاف انتهى في قمّة العلا الشهيرة بمصالحة جادّة وصادقة قادها سمو الأمير محمد بن سلمان وسمو الشيخ تميم بن حمد وبوساطة قامت بها دولة الكويت الشقيقة طول فترة الخلاف بكل صدق وحب وتفاني ، مما مكَّن قادة المجلس من التوصل إلى حل مبني على قواعد متينة من الإيمان الصادق بعمق العلاقات الأخوية ، ووجوب المحافظة على وحدة الصف الخليجي ، والإدراك التام بأن الخليج جسد واحد ، وكيان متماسك ، فالأسر فيه مترابطة! ، والقبائل متداخلة ، والحدود متصلة ، والمصير واحد ، والأهداف والتطلعات مشتركة.

ورغم أن الإعلام ركَّز وكرر على قوة الخلاف السعودي القطري ضمن الخلاف الذي ساد في حينه بين قطر من جهة ومجموعة الدول التي قاطعتها ؛ إلا أن الإعلام تجاهل مدى العلاقة القوية بين السعودية وقطر مهما حدث من خلاف كانت له أسبابه!.. ولذلك تفاجأ الكثير بعودة العلاقة المتينة بين البلدين ، وبصدق مشاعر المحبة والأخوة الصادقة بين سمو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، وسمو الشيخ تميم في قمّة العلا عام 2021م.

إن طي صفحة الخلاف بالتزام صادق ، ورغبة مشتركة ، وإيمان عميق بالروابط الأخوية ، وما يمليه واجب الأخوة وحسن الجوار ، جعل دول الخليج تعود لدورها البنّاء يداًّ واحدة ، وعلى قلب رجل واحد ، تتحد فيما اتُّفِقَ عليه ، وتنسق مع بعضها البعض فيما اختلفت فيه الرؤى والتصورات مع الالتزام الصادق بالأهداف المشتركة ، والاتساق التام في الخطة الاستراتيجية المرسومة لتحقيق الأهداف المتفق عليها في الرؤية العامة لدول المجلس.

إن الخلاف شر كله! ، وقد يقع لسبب أو لآخر ، ولكن العقلاء والحكماء هم الذين يحافظون على

المصالح العليا لشعوبهم ، ويُدركون مخططات أعدائهم الحقيقيون الذين يتربصون بالجميع شراًّ .

إن الأمة تؤمِّلُ في قادتها خيراً ، وتدعو الله لهم بالتوفيق والسداد ، ولا شكَّ أن الجميع قد آلمه ما حصل في الوطن العربي من أحداث مؤلمة! ، تضررت منها الشعوب والأوطان! ، وزادت الفجوة بين فئات المجتمع الواحد.

ولقد أصبح واضحاً جداً أن الغرب يتربص بالشعوب التي يَدُبُّ فيها الخلاف ليزيد الطينة بلّة ، ويزيد الفجوة اتساعاً.. كما يتربص بالدول العربية ليثير بينها الخلافات! ، ويزيد بينها الشكوك! ، كما أنه يدعم القوى الإقليمية غير العربية في منطقة الشرق الأوسط ليكون لها الحضور الأبرز ، والكلمة الأقوى.. ولكن الدول العربية وفي مقدمتها دول الخليج باتحادها ، ورسم سياستها المستقلّة النابعة من مصالحها المشتركة ، مع إيمانها بمصيرها المشترك ، وقدرتها على تحقيق تطلعاتها التي تحقق لها جميعاً التقدم والتطور والنماء وفق رؤية التكامل بين الجميع ، وتبادل الفوائد والمنافع ، ولا بد أن تحرص جميع الدول العربية على أن يكون التبادل التجاري ، والتعاون الاقتصادي فيما بينها مقدم على ما سواه ، وكذلك التنسيق السياسي لا بد أن يكون عالي المستوى بين جميع الدول العربية بعيداً عن جعجعة الإعلام وأوهامه وشكوكه التي يثيرها بين الدول والقيادات السياسية!.

وفي الجانب الأمني والعسكري يجب أن يكون التنسيق والتعاون ، وتبادل المعلومات والخبرات في أعلى مستوياته ؛ لأن ذلك يحقق للجميع – بعد توفيق الله – المحافظة على الأمن الوطني لكل دولة ، والأمن القومي لكل البلاد العربية.

إن الله سبحانه وتعالى قد قسَّم الأرزاق والقدرات والخيرات بين عباده ، وأعطى العرب من العيش أرغده! ، ومن الخير أكثره! ، ومن القوة البشرية : شباباً يافعاً ، وعدد كافياً ، وطاقات متحفزة للعمل والانجاز والتفوق ، فهل يُحسن العرب تبادل منافعهم وخيراتهم وقدراتهم ليكونوا فاعلين ومؤثرين على مسرح الأحداث العالمي؟!.

نرجو ذلك ونؤمن بتحققه إن شاء الله قريباً جداً ، وذلك بفضل الله وتوفيقه أولاً ، ثم بما نراه ونلمسه من دهاء قادتنا ، وحماس شبابنا ، وقدرة علمائنا ومفكرينا على العمل الجاد وفق الرؤى والأهداف الطموحة التي تلامس عنان السماء إيماناً بغدٍ مشرق ينتصر فيه الحق والخير والنماء وفق سماحة الإسلام وجماله وكماله ، وعدله الذي يشمل جميع البشر دون تمييز أو إقصاء لكل من يعمل لخدمة دينه ووطنه وأمته ، والبشرية جمعاء.

إن النصر الذي تحقق للعرب في زمن صعب وعصيب ، وفي مرحلة خطيرة وحساسة ، هو محض فضل  وتوفيق من الله جلَّ في علاه حققه على أيدي قادة أخلصوا لله تعالى ، وثبتوا في مواجهة التحديات ، وتحلوا بالشجاعة والحكمة والدهاء السياسي .. ورغم أن أوضاع الأمة في بعض أقطارها ما زالت في حالة يُرثى لها من الجوع والفقر ، والفرقة والخلاف ، وتمكّن المليشيات التي تنخر في جسد أوطانها! ؛ إلا أن الأمل كبير في أن تنجح مساعي الدول الأخرى في دعم مسيرة استعادة كل الأوطان العربية لأمنها واستقرارها وسيادتها ، ولا بد أن تدرك بعض الأنظمة التي تسببت في كوارث في أوطانها بأن الظلم ظلمات يوم القيامة ، وأن العدل هو أساس الحكم الرشيد ، وأن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته ، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

كما يجب على جميع الحكومات أن تسابق الزمن في الإصلاح الاقتصادي والإداري ، ونيل ثقة الشعب بما تقدمه له من خدمات وإصلاحات يراها ويلمسها ويعيشها واقعاً على الأرض ، حينها لن يثور على نعمته وأمنه واستقراره إلا عميل خائن مأجور ، وسيقف الجميع ضدّه ، وضد كل تدخل خارجي يريد أن ينال من الوطن وأمنه وسيادته!.

ولفتة أخيرة أبعثها من قلب محب لسيادة أمته ، وصلاح أحوالها ، واستقرار أوضاعها ، وتحقيق السلم المجتمعي بين جميع أبنائها ؛ ليعود للمجتمعات التي اضطربت هدوؤها ، وللأوطان التي تشرذمت أُلفتها ، وحسنُ العلاقة بين مكوِّناتها.. هذه اللفتة التي أريد أن يتبناها الجميع هي دعوة للتسامح والتصالح ، ومراجعة النفس ومحاسبتها بإيمان صادق ، وضمير حي ، وتجرّد لله عز وجل ، فليل الفتنة في بعض الأقطار العربية قد طال كثيراً ، وخطبها قد عمَّ الجميع ، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ، والصفح والعفو والتسامح آثارها : خير وبركة ونماء واستقرار.. ولا بديل عن ذلك إلا أحقاد تطول! ، وثارات وعداوات! تهدد سيادة الوطن وأمن المواطن!.

وهذا الخيار يجب أن يسعى له الجميع على حدٍّ سواء ، فالقيادات والحكومات لا بد أن ترسم

سياساتها على تحقيق السلم المجتمعي ، والسعي الحثيث لوحدة الصف وجمع الكلمة ، وتجاوز الخلافات ، وانهاء آثار الفتنة التي عصفت بمجتمعاتها ، وطي صفحة العداء ، وفتح صفحة بيضاء نقية يرسم عليها كل أبناء الوطن ملامح الغد المشرق الذي يستبشر به الجميع.

وعلى الجهات التي كانت فاعلة في الأحداث التي تسببت في الفوضى والاضطراب أن تبادر بتصحيح أخطائها ، وتعديل مسارها بقناعة صادقة ، وحرص أكيد على جمع الكلمة ، وتحقيق اللحمة الوطنية.

فمثلاً جماعة الإخوان المسلمين يجب على قياداتها أن تراجع مسيرتها ، وأن تدرك ما لديها من خلل

 منهجي كبير ، جعلها في صدام دائم مع مجتمعاتها! ، فهي تريد أن تكوِّن مجتمعاً خاصاً بها داخل المجتمع العام ، وأن تكوّن جماعة مستقلّة عن باقي المجتمع! ، لها قيادتها ، ومرشدها ، وتنظيماتها السرّية!! ، وللمرشد بيعة على السمع والطاعة! كأنه حاكم البلد!.

فهل يمكن لجماعة تتبنى هذا النهج ، وتُعلن عداءها وخلافها الشديد مع النظام القائم في بلدها ، وتتهمه بكل النقائص والعيوب .. هل يمكن أن تكون بفعلها هذا عاملاً فاعلاً في أمن الوطن واستقراره ؟ أم العكس هو الصحيح؟!.

إن مسألة البيعة للمرشد يجب أن تنتهي من أطروحات الجماعة ؛ لأنها مخالفة للنصوص الشرعية التي تأمر بطاعة ولي الأمر الذي هو حاكم البلد ، وكل من سواه في البلد يجب أن يكون سامعاً مطيعاً له.

كما يجب عليها أن تتعامل مع الناس على أنهم جماعة واحدة يتشاركون القيم والمبادئ ، والأهداف والمنافع دون تمييز أو تنظيم يقصي أناساً من أبناء الوطن ، ويؤدلج آخرين وفق نظريات وأطروحات تسبب انقساماً دينياً وسياسياً بين أطياف المجتمع .

إن حفظ بيضة الإسلام والعروبة أمانة في أعناق الجميع ، ولا محيد عن التسامح والتصالح ، والتغلب على آثار الفتنة التي عصف بالأمة وهدّدت أوطانها ، وعمّقت الجروح والآلام بين فئات وأطياف المجتمع الواحد.

أسال الله أن يجمع كلمة الأمة ، وأن يوحد صفها ، ويؤلف بين قلوب أبنائها ، وأن يرزق الجميع أمناً ورخاءً ، وصلاحاً واستقامة على الحق والهُدى والرشاد.

الأحد 29 ذو القعدة 1444ه.

 

 

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Search this website
ترجمة - Translate